خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 13 من ربيع الأول 1442هـ - الموافق 30 / 10 / 2020م
هَذَا رَسُولُ اللهِ ﷺ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إقْرَارًا بِهِ وَتَوْحِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ الْمُصْطَفَى وَرَسُولُهُ الْمُجْتَـبَى وَنَبِيُّهُ الْمُرْتَضَى، أَرْسَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَقُدْوَةً لِلْعَامِلِينَ وَحُجَّةً عَلَى الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ؛ الَّذِينَ عَاشُوا عَلَى سُنَّتِهِ وَذَبُّوا عَنْ شَرِيعَتِهِ وَمَاتُوا عَلَى مِلَّتِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيدًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ – عِبَادَ اللهِ – وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ، )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( [الحديد:28].
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
لَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ تَعَالَى الْعَالَمِينَ بِإِرْسَالِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ: مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِالمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيِّ الْقُرَشِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَصَفِيِّهِ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلِهِ، أَشْرَفِ النَّاسِ نَسَبًا وَأَكْرَمِهِمْ حَسَبًا، وَهُوَ أَكْمَلُهُمْ خَلْقًا وَأَعْظَمُهُمْ خُلُقًا؛ قَالَ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَفِيهِ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :
وَأَحْسَنُ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِـي وَأَجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ
إِنَّهُ خَاتِمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَصَفْوَةُ الْأَصْفِيَاءِ، وَسَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةُ اللهِ عَلَى الْعَالَمِينَ، وَخَطِيبُهُمْ إِذَا وَفَدُوا، وَإِمَامُهُمْ إِذَا وَرَدُوا، صَاحِبُ الْحَوْضِ الْمَوْرُودِ، وَحَامِلُ اللِّوَاءِ الْمَعْقُودِ، وَالْمُكَرَّمُ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، ذُو الْغُرَّةِ وَالْتَّحْجِيلِ، الْمَذْكُورُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، مَا أَقَلَّتْ خَيْرًا مِنْهُ الْغَبْرَاءُ، وَلَا أَظَلَّتْ أَكْرَمَ مِنْهُ الْخَضْرَاءُ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ، وَلَا فَخْرَ، وَلِوَاءُ الْحَمْدِ بِيَدِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا فَخْرَ» [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ].
مَحَا اللهُ – عَزَّ وَجَلَّ- بِهِ الْكُفْرَ، وَعَلَى أَثَرِهِ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْحَشْرِ؛ فَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَنَا الْمَاحِي الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]. وَالْعَاقِبُ: الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ.
بَعَثَهُ اللهُ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَانْتِكَاسٍ فِي الْفِطَرِ وَانْحِرَافٍ فِي الْمِلَلِ، فَهَدَى بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَعَلَّمَ بِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ، وَكَثَّرَ بِهِ بَعْدَ الْقِلَّةِ، وَأَعَزَّ بِهِ بَعْدَ الذِّلَّةِ، فَوَحَّدَ بِهِ الْعَرَبَ بَعْدَ تَفَرُّقٍ، وَجَمَعَ شَمْلَهُمْ بَعْدَ تَمَزُّقٍ، حَتَّى أَضْحَوْا خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَصَارُوا سَادَةَ الْأُمَمِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا رُعَاةً لِلْغَنَمِ.
هَلْ تَطْلُبُونَ مِنَ الْمُخْتَارِ مُعْجِــزَةً يَكْفِيهِ شَعْبٌ مِنَ الْأَجْدَاثِ أَحْيَاهُ
زَكَّاهُ اللهُ فِي عَقْلِهِ وَدِينِهِ وَهِدَايَتِهِ فَقَالَ: ) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ( [النجم:2]. وَزَكَّاهُ فِي لِسَانِهِ وَصِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ فَقَالَ: )وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ( [النجم:3]. وَزَكَّاهُ فِي صَدْرِهِ فَقَالَ: ) أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ( [الشرح:1]. وَزَكَّاهُ فِي فُؤَادِهِ فَقَالَ: )مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ( [النجم:11]. وَزَكَّاهُ فِي سَمْعِهِ فَقَالَ: ) قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ ( [التوبة:61]، وَزَكَّاهُ فِي بَصَرِهِ فَقَالَ: )مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ( [النجم:17]. وَزَكَّاهُ فِي عِلْمِهِ فَقَالَ: )عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ( [النجم:5]. وَزَكَّاهُ فِي خُلُقِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا فَقَالَ: )وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( [القلم:4]. وَزَكَّاهُ كُلَّهُ فَقَالَ: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ( [الأنبياء:107].
مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ:
إِنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّحْمَةُ الْمُهْدَاةُ وَالنِّعْمَةُ الْمُسْدَاةُ، وَالْبَشِيرُ النَّذِيرُ وَالسِّرَاجُ الْمُنِيرُ، وَصَفَهُ رَبُّهُ بِقَوْلِهِ الْكَرِيمِ: ) لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ( [التوبة:128]. بَلْ رَأَفَ بِالْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْحَيَوَانِ قَالَ تَعَالَى: ) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ( [الأنبياء:107]. شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ، وَوَضَعَ عَنْهُ وِزْرَهُ، وَرَفَعَ لَهُ ذِكْرَهُ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ، فَجَمَعَ اسْمَهُ مَعَ اسْمِهِ فِي التَّشَهُّدِ وَالْأَذَانِ وَفِي الصَّلَوَاتِ.
أَغَـــــــرُّ عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّةِ خَاتَــــــــمٌ مِنَ اللهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ وَيَشْهَــــــدُ
وَضَمَّ الإِلَهُ اسْمَ النَّبِيِّ إِلَى اسْمِـهِ إِذَا قَالَ فِي الْخَمْسِ الْمُؤَذِّنُ أَشْهَدُ
وَشَــــــقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ لِيُجِلَّــــــهُ فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ
جَمَعَ الْمَكَارِمَ كُلَّهَا، وَضَمَّ الْمَحَامِدَ جُلَّهَا: فَهُوَ الْجَوَادُ الَّذِي لَا يَرُدُّ سَائِلًا، وَالْكَرِيمُ الَّذِي لَا يَحْرِمُ نَائِلًا، أَوْسَعُ الْعَالَمِينَ كَفًّا وَنَدًى، وَأَجْوَدُ الْبَرِيَّةِ نَفْسًا وَيَدًا؛ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: »مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ« [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
ذَاكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَبِيُّ الْمَرْحَمَةِ وَالْمَلْحَمَةِ، رَحْمَةٌ وَحِكْمَةٌ، عِلْمٌ وَعَمَلٌ،، عِزَّةٌ وَتَوَاضُعٌ، أَقَامَ اللهُ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ، وَأَخْمَدَ بِهِ حُرُوبَ الْجَاهِلِيَّةِ الشَّعْوَاءَ، فَتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا، وَأَنَارَ بِهِ الْعُقُولَ وَشَرَحَ بِهِ الصُّدُورَ، فَـتَحَ بِهِ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ وَطُرُقَ الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَأَصْلَحَ بِهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، وَالْقُلُوبَ وَالْأَسْمَاعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَمْصَارَ.
شَهِدَ الْأَنَامُ بِفَضْلِهِ حَتَّى الْعِدَا وَالفَضْلُ مَا شَهِدَتْ بِهِ الأَعْدَاءُ
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِهَدْيِ رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَفِعْلٍ أَثِيمٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِعِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَرَحْمَتُهُ لِلْعَالَمِينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ وَرِضَاهُ.
مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ:
إِنَّ مِنْ وَاجِبِنَا الشَّرْعِيِّ تُجَاهَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقُومَ بِحُقُوقِهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ، وَمَحَبَّتِهِ وَتَقْدِيمِهَا عَلَى مَحَبَّةِ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ، وَتَقْدِيمِ أَمْرِهِ وَقَوْلِهِ عَلَى أَمْرِ غَيْرِهِ وَقَوْلِهِ، وَمِنْ حَقِّهِ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُحَبَّ وَلَا يُسَبَّ، وَأَنْ يُطْرَى بِالْخَيْرِ وَلَا يُذْكَرَ بِالشَّرِّ، وَأَنْ يُحْسَنَ إِلَيْهِ وَلَا يُسَاءَ، وَأَنْ يُنْصَرَ وَيُوَقَّرَ وَيُبَجَّلَ بِلَا غُلُوٍّ وَلَا جَفَاءٍ؛ ) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ( [الأحزاب:21]. وَمَنْ صَدَقَتْ مَحَبَّـتُهُ: صَدَقَ اتِّبَاعُهُ وَطَاعَتُهُ.
وَإِنَّ مَا نَرَاهُ وَنَسْمَعُهُ مِنْ مُحَاوَلَاتٍ لِتَشْوِيهِ سُمْعَتِهِ، وَإِسَاءَاتٍ رَخِيصَةٍ لِلنَّيْلِ مِنْ شَخْصِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَمِنْ رِسَالَتِهِ؛ لَهِيَ إِسَاءَةٌ لِلْخَيْرِ وَالْحَقِّ وَالْفَضِيلَةِ، وَدَعْوَةٌ لِلشَّرِّ وَالْبَاطِلِ وَالرَّذِيلَةِ، وَانْتِقَاصٌ لِمَنْ وَصَفَهُ اللهُ بِأَنَّهُ رَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَ، وَانْتِهَاكٌ لِحُرْمَةِ مَنْ جَعَلَهُ اللهُ خَاتَمًا لِلنَّبِيِّينَ، فَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُدَافِعُوا – بِالطُّرُقِ الْمُمْكِنَةِ الْمَشْرُوعَةِ- عَنْ شَرِيعَتِهِ، وَيَذُبُّوا عَنْ مِلَّتِهِ، وَلَا يَحِيدُوا عَنْ سُنَّتِهِ.
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ المُسْلِمِينَ يُتَابِعُونَ بِاسْتِيَاءٍ بَالِـغٍ الرُّسُومَ المُسِيئَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّتِي تَتَحَدَّى مَشَاعِرَهُمْ وَتَسْتَثِيرُ ضَمَائِرَهُمْ، وَتَنَالُ مِنْ دِينِهِمْ، وَتُسِيءُ إِلَى نَبِيِّهِمْ، وَهُمْ يَرْفُضُونَ تِلْكَ الإِسَاءَاتِ الرَّخِيصَةَ الْمُتَـكَرِّرَةَ، وَيُدِينُونَ بِشِدَّةٍ تِلْكَ المُمَارَسَاتِ المُسِيئَةَ المُتَهَوِّرَةَ، الَّتِي لَا تَصْدُرُ عَنْ عَقْلٍ وَحِكْمَةٍ، وَلَا عَنْ وَعْيٍ وَفِطْنَةٍ، وَيَدْعُونَ إِلَى وَقْفِهَا وَتَرْكِ التَّطَاوُلِ عَلَى الإِسْلَامِ وَالإِسَاءَةِ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَاحْتِرَامِ مُقَدَّسَاتِ المُسْلِمِينَ وَقِيَمِهِمْ.
وَمِمَّا يَجِبُ أَنْ نَتَنَبَّهَ لَهُ أَنَّ مَحَبَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِلَا غُلُوٍّ وَلَا جَفَاءٍ؛ فَإِنَّ مَحَبَّتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُسَوِّغُ لِلْمُحِبِّ أَنْ يَتَجَاوَزَ الْحُدُودَ الشَّرْعِيَّةَ وَالضَّوَابِطَ الْمَرْعِيَّةَ؛ وَقَدْ كَفَى اللهُ رَسُولَهُ الْمُسْتَهْزِئِينَ، )فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [ [الحجر:94-95]، وَهَذَا وَعْدٌ مِنَ اللهِ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَن لَّا يَضُرَّهُ الْمُسْتَهْزِئُونَ، وَأَنْ يَكْفِيَهُ اللهُ إِيَّاهُمْ بِمَا شَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعُقُوبَةِ. وَقَدْ فَعَلَ سُبْحَانَهُ؛ فَإِنَّهُ مَا تَظَاهَرَ أَحَدٌ بِالِاسْتِهْزَاءِ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَهْلَكَهُ اللهُ. وَإِنَّ مُبْغِضَهُ لَإِلَى هَلَاكٍ وَذُلٍّ مُهِينٍ، فَهُوَ الْمَقْطُوعُ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ فِي الْعَالَمِينَ، ]إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ [الكوثر:3]. وَاللهُ نَاصِرُ نَبِيِّهِ وَنَاصِرُ أَتْبَاعِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، وَخَاذِلُ مُبْغِضِيهِ وَمُنْتَقِصِيهِ وَأَعْدَائِهِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَحَبَّـتَهُ، وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ وَطَاعَتَهُ، وَأَحْيِنَا عَلَى سُنَّتِهِ، وَتَوَفَّنَا عَلَى مِلَّتِهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْبَلَاءَ وَالْوَبَاءَ وَالْغَلَاءَ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ وَسُوءٍ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البَلَاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَوُلَاةَ أُمُورِ المُسْلِمِينَ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُــمَّ أَغِـثْ قُـــلُوبَنَا بِالإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، وَبِلَادَنَا بِالأَمْطَارِ النَّافِعَةِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.